فصل: تفسير الآيات (20- 26):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (3- 9):

{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)}
{غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب ذِى الطول} صفات أخرى لتحقيق ما فيه من الترغيب والترهيب والحث على ما هو المقصود منه، والإِضافة فيها حقيقية على أنه لم يرد بها زمان مخصوص، وأريد ب {شَدِيدُ العقاب} مشددة أو الشديد عقابه فحذف اللام للازدواج وأمن الالتباس، أو إبدال وجعله وحده بدلاً مشوش للنظم وتوسيط الواو بين الأولين لإِفادة الجمع بين محو الذنوب وقبول التوبة، أو تغاير الوصفين إذ ربما يتوهم الاتحاد، أو تغاير موقع الفعلين لأن الغفر هو الستر فيكون لذنب باق وذلك لمن لم يتب فإن: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» والتوب مصدر كالتوبة. وقيل جمعاً والطول الفضل بترك العقاب المستحق، وفي توحيد صفة العذاب مغمورة بصفات الرحمة دليل رجحانها. {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} فيجب الإِقبال الكلي على عبادته. {إِلَيْهِ المصير} فيجازي المطيع والعاصي.
{مَا يجادل في ءايات الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ} لما حقق أمر التنزيل سجل بالكفر على المجادلين فيه بالطعن وإدحاض الحق لقوله: {وجادلوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق} وأما الجدال فيه لحل عقده واستنباط حقائقه وقطع تشبث أهل الزيغ به وقطع مطاعنهم فيه فمن أعظم الطاعات، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «إن جدالاً في القرآن كفر» بالتنكير مع أنه ليس جدالاً فيه على الحقيقة. {فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ في البلاد} فلا يغررك إمهالهم وإقبالهم في دنياهم وتقلبهم في بلاد الشام واليمن بالتجارات المربحة فإنهم مأخوذون عما قريب بكفرهم أخذ من قبلهم كما قال: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والأحزاب مِن بَعْدِهِمْ} والذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم بعد قوم نوح كعاد وثمود. {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ} من هؤلاء. {بِرَسُولِهِمْ} وقرئ: {برسولها}. {لِيَأْخُذُوهُ} ليتمكنوا من إصابته بما أرادوا من تعذيب وقتل من الأخذ بمعنى الأسر. {وجادلوا بالباطل} بما لا حقيقة له. {لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق} ليزيلوه به. {فَأَخَذَتْهُمُ} بالإِهلاك جزاء لهم. {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} فإنكم تمرون على ديارهم وترون أثره. وهو تقرير فيه تعجيب.
{وكذلك حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ} وعيده أو قضاؤه بالعذاب. {عَلَى الذين كَفَرُواْ} بكفرهم. {أَنَّهُمْ أصحاب النار} بدل من كلمة {رَبَّكَ} بدل الكل أو الاشتمال على إرادة اللفظ أو المعنى.
{الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ} الكروبيون أعلى طبقات الملائكة وأولهم وجوداً وحملهم إياه وحفيفهم حوله مجاز عن حفظهم وتدبيرهم له، أو كناية عن قربهم من ذي العرش ومكانتهم عنده وتوسطهم في نفاذ أمره. {يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ} يذكرون الله بمجامع الثناء من صفات الجلال والإِكرام، وجعل التسبيح أصلاً والحمد حالاً لأن الحمد مقتضى حالهم دون التسبيح أصلاً.
{وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} أخبر عنهم بالإِيمان إظهاراً لفضله وتعظيماً لأهله ومساق الآية لذلك كما صرح به بقوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} وإشعاراً بأن حملة العرش وسكان الفرش في معرفته سواء رداً على المجسمة واستغفارهم شفاعتهم وحملهم على التوبة وإلهامهم ما يوجب المغفرة، وفيه تنبيه على أن المشاركة في الإِيمان توجب النصح والشفقة وإن تخالفت الأجناس لأنها أقوى المناسبات كما قال تعالى: {إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ} {رَبَّنَا} أي يقولون {رَبَّنَا} وهو بيان ل {يَسْتَغْفِرُونَ} أو حال. {وَسِعْتَ كُلَّ شَئ رَّحْمَةً وَعِلْماً} أي وسعت رحمتك وعلمك فأزيل عن أصله للإغراق في وصفه بالرحمة والعلم والمبالغة في عمومها، وتقديم الرحمة لأنها المقصودة بالذات ها هنا. {فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ واتبعوا سَبِيلَكَ} للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيل الحق. {وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم} واحفظهم عنه وهو تصريح بعد إشعار للتأكيد والدلالة على شدة العذاب.
{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جنات عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ} وعدتهم إياها. {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءَابَائِهِمْ وأزواجهم وَذُرّيَّاتِهِمْ} عطف على هم الأول أي أدخلهم ومعهم هؤلاء ليتم سرورهم، أو الثاني لبيان عموم الوعد، وقرئ: {جنة عدن} و{صَلُحَ} بالضم و{ذريتهم} بالتوحيد. {إِنَّكَ أَنتَ العزيز} الذي لا يمتنع عليه مقدور. {الحكيم} الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه حكمته ومن ذلك الوفاء بالوعد. {وَقِهِمُ السيئات} العقوبات أو جزاء السيئات، وهو تعميم بعد تخصيص، أو تخصيص بمن {صلح} أو المعاصي في الدنيا لقوله: {وَمَن تَقِ السيئات يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ} أي ومن تقها في الدنيا فقد رحمته في الآخرة كأنهم طلبوا السبب بعد ما سألوا المسبب. {وذلك هُوَ الفوز العظيم} يعني الرحمة أو الوقاية أو مجموعهما.

.تفسير الآيات (10- 19):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)}
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ} يوم القيامة فيقال لهم: {لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} أي لمقت الله إياكم أكبر من مقتكم أنفسكم الأمارة بالسوء. {إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فَتَكْفُرُونَ} ظرف لفعل دل عليه المقت الأول لا له لأنه أخبر عنه، ولا للثاني لأن مقتهم أنفسهم يوم القيامة حين عاينوا جزاء أعمالهم الخبيثة إلا أن يؤول بنحو: بالصَّيْفِ ضيّعْتِ اللَّبَن. أو تعليل للحكم وزمان المقتين واحد.
{قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنتين} إماتتين بأن خلقتنا أمواتاً ثم صيرتنا أمواتاً عند انقضاء آجالنا، فإن الإماتة جعل الشيء عادم الحياة ابتداء أو بتصيير كالتصغير والتكبير، ولذلك قيل سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل، وإن خص بالتصيير فاختيار الفاعل المختار أحد مفعوليه تصيير وصرف له عن الآخر. {وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين} الإحياءة الأولى وإحياءة البعث. وقيل الإِماتة الأولى عند انخرام الأجل والثانية في القبر بعد الإِحياء للسؤال والإِحياءان ما في القبر والبعث، إذ المقصود اعترافهم بعد المعاينة بما غفلوا عنه ولم يكترثوا به ولذلك تسبب بقوله: {فاعترفنا بِذُنُوبِنَا} فإن اقترافهم لها من اغترارهم بالدنيا وإنكارهم البعث. {فَهَلْ إلى خُرُوجٍ} نوع خروج من النار. {مّن سَبِيلٍ} طريق فنسلكه وذلك إنما يقولونه من فرط قنوطهم تعللاً وتحيراً ولذلك أجيبوا بقوله: {ذلكم} الذي أنتم فيه. {بِأَنَّهُ} بسبب أنه. {إِذَا دُعِىَ الله وَحْدَهُ} متحداً أو توحد وحده فحذف الفعل وأقيم مقامه في الحالية. {كَفَرْتُمْ} بالتوحيد. {وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ} بالإِشراك. {فالحكم للَّهِ} المستحق للعبادة حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد الدائم. {العلى} عن أن يشرك به ويسوى بغيره. {الكبير} حيث حكم على من أشرك وسوى به بعض مخلوقاته في استحقاق العبادة بالعذاب السرمد.
{وَهُوَ الذي يُرِيكُمْ ءاياته} الدالة على التوحيد وسائر ما يجب أن يعلم تكميلاً لنفوسكم. {وَيُنَزّلُ لَكُم مّنَ السماء رِزْقاً} أسباب رزق كالمطر مراعاة لمعاشكم. {وَمَا يَتَذَكَّرُ} بالآيات التي هي كالمركوزة في العقول لظهورها المغفول عنها للانهماك في التقليد واتباع الهوى. {إِلاَّ مَن يُنِيبُ} يرجع عن الإِنكار بالإِقبال عليها والتفكر فيها، فإن الجازم بشيء لا ينظر فيما ينافيه.
{فادعوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} من الشرك. {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} إخلاصكم وشق عليهم.
{رَفِيعُ الدرجات ذُو العرش} خبران آخران للدلالة على علو صمديته من حيث المعقول والمحسوس الدال على تفرده في الألوهية، فإن من ارتفعت درجات كماله بحيث لا يظهر دونها كمال وكان العرش الذي هو أصل العالم الجسماني في قبضة قدرته لا يصح أن يشرك به، وقيل الدرجات مراتب المخلوقات أو مصاعد الملائكة إلى العرش أو السموات أو درجات الثواب.
وقرئ: {رَفِيعَ} بالنصب على المدح. {يُلْقِى الروح مِنْ أَمْرِهِ} خبر رابع للدلالة على أن الروحانيات أيضاً مسخرات لأمره بإظهار آثارها وهو الوحي، وتمهيد للنبوة بعد تقرير التوحيد والروح الوحي ومن أمره بيانه لأنه أمر بالخير أو مبدؤه والآمر هو الملك المبلغ. {على مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} يختاره للنبوة، وفيه دليل على أنها عطائية. {لّيُنذِرَ} غاية الإلقاء والمستكن فيه لله، أو لمن أو للروح واللام مع القرب تؤيد الثاني. {يَوْمَ التلاق} يوم القيامة، فإن فيه تتلاقى الأرواح والأجساد وأهل السماء والأرض أو المعبودون والعباد أو الأعمال والعمال.
{يَوْمَ هُم بارزون} خارجون من قبورهم أو ظاهرون لا يسترهم شيء أو ظاهرة نفوسهم لا تحجبهم غواشي الأبدان، أو أعمالهم وسرائرهم. {لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَئ} من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم، وهو تقرير لقوله: {هُم بارزون} وإزاحة لنحو ما يتوهم في الدنيا. {لّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به، أو لما دل عليه ظاهر الحال فيه من زوال الأسباب وارتفاع الوسائط، وأما حقيقة الحال فناطقة بذلك دائماً.
{اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} كأنه نتيجة لما سبق، وتحقيقه أن النفوس تكتسب بالعقائد والأعمال هيئات توجب لذتها وأملها لكنها لا تشعر بها في الدنيا لعوائق تشغلها، فإذا قامت قيامتها زالت العوائق وأدركت لذاتها وألمها. {لاَ ظُلْمَ اليوم} ينقص الثواب وزيادة العقاب. {إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} إذ لا يشغله شأن عن شأن فيصل إليهم ما يستحقونه سريعاً.
{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزفة} أي القيامة سميت بها لأزوفها أي قربها، أو الخطة الآزفة وهي مشارفتهم النار وقيل الموت. {إِذِ القلوب لَدَى الحناجر} فإنها ترتفع عن أماكنها فتلصق بحلوقهم فلا تعود فيتروحوا ولا تخرج فيستريحوا. {كاظمين} على الغم حال من أصحاب القلوب على المعنى لأنه على الإِضافة، أو منها أو من ضميرها في لدى وجمعه كذلك لأن الكظم من أفعال العقلاء كقوله: {فَظَلَّتْ أعناقهم لَهَا خاضعين} أو من مفعول {أَنذَرَهُمْ} على أنه حال مقدرة. {مَا لِلظَّالِمينَ مِنْ حَمِيمٍ} قريب مشفق. {وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} ولا شفيع مشفع، والضمائر إن كانت للكفار وهو الظاهر كان وضع الظالمين موضع ضميرهم للدلالة على اختصاص ذلك بهم وأنه لظلمهم.

.تفسير الآيات (20- 26):

{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)}
{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعين} النظرة الخائنة كالنظرة الثانية إلى غير المحرم واستراق النظر إليه، أو خيانة الأعين. {وَمَا تُخْفِى الصدور} من الضمائر والجملة خبر خامس للدلالة على أنه ما من خفي إلا وهو متعلق العلم والجزاء {والله يَقْضِى بالحق} لأنه المالك الحاكم على الإطلاق قلا يقضي بشيء إلا وهو حقه {والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَئ} تهكم بهم لأن الجماد لا يقال فيه إنه يقضي أو لا يقضي. وقرأ نافع وهشام بالتاء على الالتفات أو إضمار قل {إِنَّ الله هُوَ السميع البصير} تقرير لعلمه ب {خَائِنَةَ الأعين} وقضائه بالحق ووعيد لهم على ما يقولون ويفعلون، وتعريض بحال ما {يَدْعُونَ مِن دُونِهِ}.
{أَوَ لَمْ يَسِيروُاْ في الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ} مآل حال الذين كذبوا الرسل قبلهم كعاد وثمود. {كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} قدرة وتمكناً، وإنما جيء بالفصل وحقه أن يقع بين معرفتين لمضارعة أفعل من للمعرفة في امتناع دخول اللام عليه. وقرأ ابن عامر {أشد منكم} بالكاف. {وَءَاثَاراً في الأَرْضِ} مثل القلاع والمدائن الحصينة. وقيل المعنى وأكثر آثاراً كقوله: متقلداً سيفاً ورمحاً {فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مّنَ الله مِن وَاقٍ} يمنع العذاب عنهم.
{ذلك} الأخذ. {بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات} بالمعجزات أو الأحكام الواضحة. {فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ الله إِنَّهُ قَوِىٌّ} متمكن مما يريده غاية التمكن. {شَدِيدُ العقاب} لا يؤبه بعقاب دون عقابه.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بئاياتنا} يعني المعجزات. {وسلطان مُّبِينٍ} وحجة قاهرة ظاهرة، والعطف لتغاير الوصفين أو لإِفراد بعض المعجزات كالعصا تفخيماً لشأنه.
{إلى فِرْعَوْنَ وهامان وَقَارُونَ فَقَالُواْ ساحر كَذَّابٌ} يعنون موسى عليه الصلاة والسلام، وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان لعاقبة من هو أشد الذين كانوا من قبلهم بطشاً وأقربهم زماناً.
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ بالحق مِنْ عِندِنَا قَالُواْ اقتلوا أَبْنَاءَ الذين ءَامَنُواْ مَعَهُ واستحيوا نِسَاءَهُمْ} أي أعيدوا عليهم ما كنتم تفعلون بهم أولاً كي يصدوا عن مظاهرة موسى عليه السلام. {وَمَا كَيْدُ الكافرين إِلاَّ في ضلال} في ضياع، ووضع الظاهر فيه موضع الضمير لتعميم الحكم والدلالة على العلة.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ موسى} كانوا يكفونه عن قتله ويقولون إنه ليس الذي تخافه بل هو ساحر، ولو قتلته ظن أنك عجزت عن معارضته بالحجة وتعلله بذلك مع كونه سفاكاً في أهون شيء دليل على أنه تيقن أنه نبي فخاف من قتله، أو ظن أنه لو حاوله لم يتيسر له ويؤيده قوله. {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} فإنه تجلد وعدم مبالاة بدعائه. {إِنّي أَخَافُ} إن لم أقتله. {أَن يُبَدّلَ دِينَكُمْ} أن يغير ما أنتم عليه من عبادته وعبادة الأصنام لقوله تعالى: {وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ} {أَوْ أَن يُظْهِرَ في الأرض الفساد} ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج إن لم يقدر أن يبطل دينكم بالكلية. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بالواو على معنى الجمع، وابن كثير وابن عامر والكوفيون غير حفص بفتح الياء والهاء ورفع الفساد.